أيار بين محورين الأميركي والمقاوم د نسيب حطيط
مثّل شهر أيار تاريخياً شهر الصراع بين المحور الاستعماري القديم (البريطاني) والمعاصر الاستعمار الأميركي -"الإسرائيلي"، وهو الدائرة الزمنية للنكسة الفلسطينية بإعطاء فلسطين منحة بريطانية بالتعاون مع الصهيونية العالمية لصالح اليهود المشتتين في العالم،والذين لفظتهم الشعوب التي عاشوا بينها، والتي لم تستطع تحمُّل أنظمة وسلوكيات الغيتو اليهودي - الصهيوني، بالإضافة إلى حاجة الاستعمار الغربي لقاعدة عسكرية كبرى في منطقة الشرق الأوسط.
لقد بدأت سلسلة الهزائم واتفاقيات السلام والتنازلات في 15 أيار 1948 بما عُرف بـ"وعد بلفور"، وإعطاء فلسطين لليهود المنتشرين في العالم بقرار بريطاني، وموافقة عربية وتواطؤ وصمت، بالإضافة إلى عدم نُصرة المقاومة في فلسطين وخذلانها،إلا بعض المواقف العربية الخجولة، ومنها المقاومة اللبنانية في الجليل، ثم تم ترسيخ هذه المنظومة الانهزامية في لبنان بتوقيع اتفاق 17 أيار 1983، والذي يدع الاحتلال "الإسرائيلي" في الجنوب نهائياً، ويجعل لبنان في القبضة "الإسرائيلية"، وذلك في عهد "الكتائب اللبنانية" عندما كان أمين الجميّل رئيساً للجمهورية بعد اغتيال شقيقه بشير الجميل.
لقد تمكّنت المقاومة المدنية والمسلَّحة من إسقاط اتفاق 17 أيار، والذي أقرّه المجلس النيابي والحكومة اللبنانية ووافق عليه كل النواب ماعدا بعض النواب الوطنيين، وتم إلغاؤه عملياً وميدانياًبالمقاومة المسلَّحة من القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية، حتى تمّ تتويج التضحيات بالنصر الواضح في 20 أيار عام 2000، وإجبار العدو "الإسرائيلي" على الفرار والانسحاب مع ميلشياته العميلة المعروفة باسم "جيش لحد"، لتسجيل أول عملية تحرير لأرض عربية دون اتفاقيات سلام ولا مفاوضات ولا شروط، بل وفق قاعدة "الانسحاب تحت النار".
هذا على صعيد مقاومة الخارج والعدو "الإسرائيلي"،أما على صعيد الداخل اللبناني، فهناك حدثان مفصليان الأول تمثل بيوم 7 أيار الذي قامت به المقاومة كردّ فعل على محاولة الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بمحاولة إلغاء شبكة الاتصالات للمقاومة ومانتج عنه من انتفاضة مسلَّحة أعادت الأمور إلى نصابها، وأدّت إلى تسوية الدوحة، وانتخاب رئيس للجمهورية،والثانية هي التي نعيشها اليوم، حيث تمكّنت قوى المقاومة المنتشرة بين الطوائف والمناطق من نشر مظلة سياسية نيابية وحكومية لحماية المقاومة بعد الفوز بالانتخابات النيبابية، والإفلات من الحصار والتحجيم الذي قادته السعودية إقليمياً، وخططت لهأميركا دولياً، ودعمته بقرارات الحصار والقمع والسياسي والاقتصادي،لكن ردة فعل أهل المقاومة جاءت عنيفة وفعّالة،حيث استطاعت حماية المقاومة سياسياً وتمثيلياً، وتوجيه الصفعات للمحور الأميركي،لكن الصفعة كانت في غير وجهتها الصحيحة بالكامل،بحيث أفلت منها بعض القوى اليمينية المتطرّفة، والتي أسّست للعلاقة مع العدو "الإسرائيلي"، وافتعلت الحرب الأهلية اللبنانية بحجة سلاح المقاومة الفلسطينية، والآن تحضّر لحرب جديدة بعنوان "إلغاء سلاح المقاومة اللبنانية"!
إن ما حققته المقاومة في أيار يحاول غسل بعض آثار النكبة الفلسطينية، وبعضآثار الاجتياح "الإسرائيلي" عام 1982، لأن هذا الاجتياح لم تنتهِ مفاعيله وآثاره بعد، بل تجدد في الحرب على لبنان عام 2006، وتجدد بالحرب على سورية عبر الجماعات التكفيرية التي تمّ دحرها على الحدو في جرود عرسال،وما زالت خلاياها تنشر في لبنان سياسياً وأمنياً،ومع ذلك يمكن القول إن ماتكتبه المقاومة في أيار قد محا جزءاً كبيراً مما كتبه البريطانيون والصهاينة والأميركيون وبعض العرب المتآمرين على صفحات تاريخناالمعاصر الزاخر بالنكسات والهزائم والكوارث والغزو المتكرر.. إلا من بعض الومضات التي بدأت تتوسع وتنتشر في سورية واليمن والعراق ولبنان في مواجهة المشروع الأميركي المسمَّى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.
المشكلة أننا عندما نقترب من تطهير شهر أيار من النكسات ترانا نقف على أعتاب شهر حزيران شهر النكسة العربية الأولى عام 1967، وشهر النكسة الفلسطينية - اللبنانية الثانية عبر الاجتياح "الإسرائيلي" عام 1982..سنحتاج إلى كثير من السنين وكثير من التضحيات لتطهير تاريخنا من النكسات والعار..والحُكام الخوَنة.